الاخـتيـــــــار
طال النقاش بيني وبين حورية البحر، ونحن جالسان على صخرتنا المنعزلة، التي اعتدنا أن نلتقي فوقها طوال أشهر مضت. كانت راغبة في مواصلة الحديث، لكن التأخير أصبح الآن خطراً، وعليها الانطلاق مبتعدة في أعماق البحر، فالصباح اقترب، وبدأت أولى أشعة الشمس تلوح حمراء مثل عيون غاضبة منذرة في الأفق.
وأخيراً قالت لي وهي تهم بالغوص في الماء:
عليك أن تفكر جيداً قبل اتخاذ قرارك.. ولكن من الضروري بأي حال أن تسرع في تحولك إلى كائن بحري، إذا كنت حريصاً على استمرارنا معاً، فهذه اللقاءات المبتورة لا يمكن أن تطبع حياتنا المشتركة إلى الأبد.
لم أشعر بمرور الوقت إلا عندما بدأت أشعة شمس الظهيرة تلسع رأسي. نعم، يجب أن أصل إلى قرار حاسم مهما يكن، فأنا كائن ناضج التفكير، واسع الأفق، قوي الإرادة.. كما أنني قادر على محاكمة الأمور محاكمة معقولة. ولم أكن خائفاً من تحولي القريب إلى كائن بحري، فكل منا سيصبح يوماً ما كائناً بحرياً بصورة ما.. وهذا قدرنا، شئنا أم أبينا، كما أنني قد بدأت أشعر فعلاً بمشاعر الكائنات البحرية قبل أن أتحول كلياً إلى واحد منها، صحيح أن مشاعري تلك لا تزال تنقصها الهوية، فهي لا تنتمي إلى نوع محدد من الكائنات البحرية، إلا أنني أُعطيت امتيازاً فردياً من نوعه، وهو قدرتي على اختيار الفصيلة التي سأنتمي إليها، وهذا الاختيار بالذات أوقعني في حيرة ممضة. وتمنيت في حيرتي هذه لو أنني حُرمت من حرية الاختيار، وتحولت مجبراً إلى أي نوع من الكائنات البحرية، مهما يكن، إذاً لاسترحت وحينئذ إما يعجبني ما أصبحت عليه وينتهي الأمر، أو لا يعجبني، فأعيش المعاناة، ثم أعتاد شيئاً فشيئاً.. وينتهي الأمر أيضاً. لكنني أقف الآن أمام متاهة الاختيار، وعلي إذاً أن أختار الشكل الأفضل، وهنا لبّ القضية. ما هو الشكل الأفضل؟ ما هي خصائصه؟ ولماذا هو الأفضل؟ وتيقنت أن ما من ناظم يمكن أن يحكم ذلك.. فالأمر نسبي يختلف من عقل إلى آخر، وقراري يجب أن يصدر من ذاتي، وبحسب قناعتي. هنا شعرت بأنني أغوص في دوامة أكبر.. فعناصر الحكم غير مستوفية شروطها في ذهني، والقرار على هذا الأساس قد لا يكون صائباً، وقد يصل بي إلى مأساة يمكن أن تعكر صفو حياتي.. أو تحطمها.. أو ربما تنهيها.
عدت إلى صخرة اللقاء قبل المساء، وانتظرت حلول الظلام. كان عقلي يسبح جاهداً في دوامة الاختيار الغامض الذي أواجهه، بينما عيناي تبحثان بلهفة بعيداً، بين موجات البحر المعتمة الكسلى عن رفيقتي. ورنت في أذني ضحكة خافتة عابثة، وضحك قلبي وأنا ألتفت لأرى حوريتي جالسة بجانبي وهي تنفض قطرات الماء عن جسدها، وسألتني متمادية في عبثها:
ـ عم تبحث؟ هل مللتني، وبدأت تحوم بعينيك وراء حورية أخرى؟
أجبتها، ولمسات من الاعتذار تتسلل داخل عيني:
ـ يبدو أنني كنت شارداً مع أفكاري وأنا أنتظرك، فلم أنتبه لمجيئك.
رنت ضحكتها الطفولية عالياً، فتغلغل رنينها مرتعشاً في صدري، وقالت مهددة مداعبة:
ـ إذا رأيتك شارداً في المرة القادمة فسوف أسحبك معي إلى البحر كما أنت، فتصبح أول كائن بحري لا يزال في صورة البشر.
تحدثنا تلك الليلة طويلاً، واعترفت لها بما دار في ذهني بعد مغادرتها البارحة.. أحزنها ترددي وحيرتي، لكنها اعترفت بأن الاختيار أمر بالغ الصعوبة حقاً. فالقرار يحمل مصيري، ومصيرها معي، ولا بد من اتخاذه بحكمة واقتناع، ولكن بدون إبطاء أو استرسال في التردد، أو استسلام للحيرة، لأن الوقت لا يمهل، والعمر لا ينتظر. واتفقنا أخيراً على أن التجربة هي أفضل وسيلة للوصول إلى الاختيار الصائب. يجب أن أعيش التجربة كاملة، ولكي أعيشها يجب أن أخوض في أدق التفاصيل الحياتية لكل أنواع الكائنات البحرية، وهكذا علي أن أتحول من كائن إلى آخر خلال فترات زمنية متعاقبة، أمارس خلالها حياة كل كائن بحري، أعاني ما يعانيه، أتلذذ بما يمتعه، انفعل بما يثيره، أركن إلى ما يريحه. وبعد أن تكتمل التجربة يأتي الاختيار النهائي، الذي لا يدع مجالاً للندم بعده.
عندما ودعتني في الصباح كنا قد انتهينا من بحث تفاصيل التجربة التي سوف أُخضع نفسي لها. وخلال النهار رسمت خطتي. وفي المساء التقينا، وبدأت التجربة...
كانت البداية متواضعة جداً، فمن المستحيل أن أبدأ تجربتي كبيراً مرة واحدة، فهذا امتياز لا أملكه، ولا يستطيع الحصول عليه إلا عدد قليل جداً ممن ولد في الأساس كائناً بحرياً كبيراً، وبالصورة التي كان عليها والداه، والتي رسماها له لحظة إنجابه. أما أنا، هذا الكائن الضعيف، الذي رضي أن يدخل التجربة في سبيل الوصول إلى الاختيار الصائب، فقد كُتب علي أن استهل تجربتي صغيراً، ثم أرتقي سلم الاختيار درجة درجة. كما أن اختياري سيكون تجريبياً لا مصيرياً، فالاختيار المصيري بعيد، ولا يزال الوقت مبكراً جداً للوصول إليه. وقررت أن أجرب أولاً حياة الكائنات البحرية الصغيرة.. وبعد تفكير قصير مركّز كانت البداية.. وأصبحت صَدَفة بحرية.
شعرت بالسعادة في ساعاتي الأولى. وكان مبعثها إحساسي بالأمان. فأنا في قوقعتي منعزل تماماً عن عالم البحر الواسع المخيف، بعيد عن أخطاره، إذ اخترت لسكني فجوة ملائمة في صخرة عميقة، أما السبب الهام الآخر لبهجتي فقد كان الأمل الذي بدأ يدغدغ قلبي في أن أفرز يوماً ما لؤلؤة كبيرة أتباهى بها، وأزهو بتقديمها هدية إلى حوريتي.
وبينما كنت مستغرقاً في نشوة حياتي الجديدة لمحت حوريتي تقترب نحوي. وكان رد الفعل عندي غريزياً وآلياً، لا علاقة له بالعاطفة أو الرغبة أو الإرادة، حتى أنني نفسي فوجئت به. فقد أطبقت مصراعي بيتي الصدفي بسرعة، وانزويت في ركن منه أرتجف من خوف لا أستطيع تفسيره، ولا يمكن أن أجد تبريراً له.
وعندما سكن خوفي تحرك نفوري من كوني مجرد صدفة سلبية مستسلمة إلى خوفها، ورغبت في تجربة صورة كائن أكثر إيجابية وجرأة. وقبل أن ينقضي الليل تحولت إلى قنديل بحري.
كان تخلصي من الأحساس بالسلبية والاستسلام إلى الخوف، في حد ذاته مبعث سرور لي، ورحت أختال بين بقية الكائنات البحرية بجسمي الهلامي المكور الشفاف، وأنا متلهف للقاء حوريتي. ولم يطل انتظاري، فقد لاحت من بعيد وهي تنساب برشاقتها الفاتنة بين الصخور. ولم أستطع انتظار عثورها علي، فاندفعت نحوها وأنا أمد مجساتي لعناقها، وقبل أن أتمكن من لمسها فوجئت بها تستدير ثم تنطلق هاربة بعيداً عني، والرعب يملأ ملامحها. أحسست بمزيج من الدهشة وخيبة الأمل. أهكذا تتصرف معي.. وهي من وضعتُ حياتي رهن مشيئتها؟ هل هذا جزاء استجابتي إلى رغبتها في أن أصبح كائناً بحرياً؟ ورحت أسبح وأنا أفكر في أسباب نفورها المفاجئ مني. وأتاني الجواب سريعاً. فبينما كنت أسبح اصطدمت عن غير قصد ببعض الأسماك الذاهلة الصغيرة، وإذا بها تُصعق على الفور وكأنها أصيبت بالشلل. أما الكبيرة فقد راحت تبتعد عن طريقي، متجنبة ملامستي. وأدركت أنني مبعث خطر نسبي على من يقترب مني. إذاً فلا أمل لي في لقاء مع حوريتي وأنا على هذه الصورة. فأنا كائن أحمل الأذى لكل من يصادفني، بلا ذنب منه، وبلا قصد مني. لقد أصبح التغيير ضرورياً، ورحت أفكر.. إلى أي صورة أحول نفسي؟ أريد أن أكون مخلوقاً وديعاً، أمنح الإحساس بالراحة والطمأنينة إلى من حولي، وبصورة خاصة إلى حوريتي، وخلال دقائق معدودة اتخذت قراري.
رجعت بذاكرتي إلى أيام مضت، عندما كنت كائناً بشرياً، واستعدت صورة أسماك الزينة التي طالما راقبتها في أحواضها، واستمتعت بمنظرها وهي تسبح مختالة بألوانها المشرقة. وبلحظة أصبحت سمكة حمراء براقة، ورحت أدور بين الصخور والنشوة تملأ قلبي الصغير، وأنا أفكر بنظرات الحب والإعجاب، التي ستلمع في عيني حوريتي عندما تراني، لكن نشوتي الحالمة انقلبت في لحظة إلى هلع ورعب قاتلين، وأنا أرى ثمانية أذرع مخيفة تمتد نحوي، وخلفها عينان واسعتان كبيرتان تحدقان إلي بنهم. واستطعت أن أندس بسرعة داخل شق في إحدى الصخور ورحت ألهث وجسمي الضئيل ينتفض بعنف، وغلاصمي تكاد تتوقف عن الحركة.. لا، مستحيل.. لا أريد أن أكون وديعاً مسالماً. ثم أصبح وجبة سهلة للكبار من وحوش البحر. فالثمن باهظ ولن أطمئن على حياتي ورغبتي في أن أعيش وأستمتع وأحس بالأمان. وكي أحقق هذا يجب أن أكون الأقوى، وليس الأرق قلباً. وانتظرت طلوع الفجر، وخرجت في صورتي الجديدة.. صورة من كان مصدر رعبي طوال الليلة الماضية.
لم تكن صورتي الكريهة المخيفة، بعد أن أصبحت أخطبوطاً، مبعث إزعاج لي. فالتعويض مجزٍ، ونشوة الإحساس بالقوة كانت كافية لاسترجاع ثقتي بنفسي. وبدأت رحلتي أبحث تلقائياً عن فريسة. كنت أشعر بالجوع يتنامى في أحشائي بعد ما كابدته في تجاربي الفاشلة السابقة. وأنساني الجوع للحظة حورية البحر.. وعندما تذكرتها استغربت قليلاً أن شعوري بالجوع يفوق شوقي إليها. لكنني تناسيت الأمر عندما رأيت سرباً من الأسماك الصغيرة يقترب من مخبئي. كنت قد عثرت على عرين مناسب داخل صخرة مدببة عميقة، وكمنت فيه بانتظار الصيد. وكان علي المبالغة في الحذر كي أتمكن من مباغتة فريستي، والانقضاض عليها، وإحاطتها بأذرعي الماصة، قبل أن تتنبه إلى الخطر القريب منها، فتنجو بحياتها. وتعلمت أن الليل أجدى لي من النهار لممارسة نشاطي المعيشي. فهو يسهّل وصولي إلى طرائدي الضعيفة من جهة، كما يمنحني الأمان الكافي من جهة أخرى. فقد كنت مع قوتي أخاف من المجهول، الذي قد يحمل لي لقاء مع كائن أقوى مني، تكون نهايتي بين فكيه. وصدقت مخاوفي، فبعد أيام قليلة حصل ما كنت أخشاه.. أو كاد أن يحصل. فعلى الرغم من شدة حذري تجرأت بدافع الجوع وغامرت بالخروج من مخبئي، أتلفّت حولي بحثاً عن طعام. وعثرت على سمكة شاردة، فغافلتها وهجمت عليها. وفجأة شعرت بألم يطعن إحدى أذرعي. واستدرت بجسمي المنتفخ وأنا أغص بالرعب لأجد سمكة ضخمة غريبة الشكل تهاجمني، وتطبق فكيها على تلك الذراع وتوشك أن تقتلعها. وبدأ الصراع بيننا. كان صراع حياة أو موت بالنسبة لي، ولا مزاح فيه. كنت أحاول القضاء على ذلك الوحش المرعب. لكنني بعد دقائق أدركت أن نجاتي منه هي أكبر غنيمة يمكن أن أفوز بها. وتمكنت قبل فوات الأوان من تخليص ذراعي الجريح والانطلاق بسرعة إلى مخبئي، وأنا أرتجف من الألم والخوف. وعندما هدأ انفعالي تملكني إحساس امتزجت فيه خيبة الأمل، وفرحة الانتصار.. ولكن أي انتصار هذا؟ إنه انتصار المهزوم المغلوب على أمره، الذي استطاع الإبقاء على حياته فحسب. إذاً، فأنا لست الأقوى.. وعلي الاعتراف بالحقيقة التي يؤكدها الجرح في ذراعي، والجوع في أحشائي. والأقوى لا يزال يحوم خارج مخبئي، بانتظار خروجي ليجهز علي ويحصل على وجبته. لا لن أقبل هذا.. لن أرضى بأن أصبح فريسة، ومهما كان الثمن. ولم يكن القرار صعباً هذه المرة.
وأخيراً أصبحت أقوى كائن بحري، وأستطيع التجول بحريّة في كل مكان، بدون أن أخشى أي خطر، وغمرني الإحساس بالفخر والغرور، وأنا أسبح معتزاً بفكي الضخم وأسناني الحادة، موقعاً الرعب في قلوب المخلوقات الأخرى. كان كل من يصادفني يبتعد عن طريقي رهبة مني، واحتراماً لقوتي، ولا أحد يجرؤ على منافستي في طريدة أنوي افتراسها، فقد يصبح هو الطريدة والفريسة. وزاد هذا الإحساس من اعتزازي بنفسي، ومن غروري.. كما زاد من قسوتي. فقد انطلقت بدون تردد أبحث عن الكائنات البحرية الضعيفة، وأنتهز فرصة وقوعها في مأزق لأجهز عليها في لحظات، ثم أنطلق بحثاً عن غيرها. وساعد في نجاحي وسيطرتي ما اكتشفته من مقدرة فائقة على سماع أبعد الأصوات وأخفتها، وعلى الإحساس المرهف في ترصد الدماء، فازداد نشاطي، وتضاعفت حيويتي، ولم يعد يعنيني أمر سوى العثور على مزيد من الضحايا، لأملأ جوفي الذي لا يشبع.
مر يومان، ولم أكن قد رأيت حورية البحر بعد تحولي الأخير. كانت نشوة الفخر بقوتي التي لا تقاوم قد خدرت أي أحاسيس غيرها في داخلي. لكن تلك النشوة بدأت تتحول تدريجياً إلى قناعة راسخة، ثم إلى أسلوب حياتي رتيب. وشعرت بالملل. وعندئذ تذكرت حورية البحر.. ورغبت في لقائها، لأزهو أمامها بقوتي وجبروتي. وفوجئت قليلاً بهذا التغيير الذي طرأ على عاطفتي. كنت في البداية أحمل مشاعر الحب العفوي، أما الآن فقد تحولت تلك المشاعر إلى محرض ذاتي يكمن في داخلي، تتنازعه الرغبة في استكمال ثقتي بنفسي، من خلال رؤية ردود الفعل في عيون الآخرين، والتباهي بالقوة التي لا تفوقها قوة، والنشوة التي يحركها كل ما زرعته من خوف في قلوب الكائنات البحرية كافة، والتحدي لمن يجرؤ على اعتراض طريقي.
وبحثت عن حورية البحر، ووجدتها أخيراً. لكنني لم أجد في عينيها إشعاع حب، أو بريق لهفة.. حتى ولا نظرة انبهار بما أصبحت عليه من قوة. لكنني رأيت الخوف والترقب، والحذر، وربما الندم أيضاً .
عند لقائنا حاولت ألا أُظهر شراستي التي تطبعت بها. ورحت أبذل جهداً كبيراً لأبدو رقيقاً دمثاً مسالماً. وتناسيت رغبتي في التباهي أمامها، والزهو بقوتي وجبروتي. وأمام نظراتها الخائفة المترقبة الحذرة، أحسست بجذوة عاطفتي الأولى تتقد من جديد. فقد وضعتني نظراتها تلك في مواجهة مفترق طريقين عليّ اختيار أحدهما: إما أن أحافظ على حوريتي أو أستمر بصورة الكائن البحري الأقوى. أوقعني هذا الاختيار في حيرة. فالمحافظة على حوريتي تعني أن أتخلى عن حياة القرش القوي المفترس، التي وجدت فيها نشوة لم أذقها من قبل، وعندما تذوقتها بات من العسير عليّ مفارقتها. أما الإبقاء على ما حققته في صورة الكائن البحري الأقوى فثمنه الذي لا بد علي من تسديده هو إلغاء أي عاطفة عفوية من حسابي والاكتفاء بمتعة الإحساس بسيطرتي على عالم البحر وما فيه.
كان الاختيار هذه المرة هو الأصعب. فالتضحية غالية في الاتجاهين، والقرار لا رجعة فيه. وتغلبت العاطفة، ربما لأنها كانت الباعث الأول لخوض هذه التجربة. وعدت من جديد أفكر في أي صورة أتخذها الآن. لم أكن راغباً في التراجع والعودة إلى إحدى الصور التي مررت بها سابقاً، بل صممت على الانتقال إلى شكل أستطيع اعتباره أكمل مما جربته من قبل، وأكثر امتيازاً. وبعد تفكير، توصلت إلى قراري..
إنني الآن دلفين أزهو بلوني الأخضر اللامع، وجلدي الأملس الرقيق. وأستمتع بحياتي مع حوريتي التي أصبحت لا تفارقني أبداً. فنحن نلهو كثيراً، ونتنزه عندما يكون الجو مناسباً. أما الكائنات البحرية الأخرى فهي تحبني وتألفني لأنني أعاملها برقة ودماثة. لكن أسناني الحادة تذكر من يحاول التعرض لي بالأذى بأنني لن أرحمه..
وأستعيد في ذاكرتي أحياناً الأشكال المختلفة التي مررت بها، وأتمنى لو أنني أستطيع جمع ميزاتها كلها في مخلوق واحد أكونه. وأفكر أحياناً بأن هذا أمر مستحيل، وعليّ أن أقنع بما وصلت إليه، لكن الأمل يظل يومض بين ساعة وأخرى في قلبي. ترى هل أستطيع أن أصبح ذلك المخلوق يوماً ما؟ ربما يتحقق هذا الأمل ذات يوم..