عرض حال
تطامن القلم بين أنامل الصحفية الشابة الحسناء، وداهمتها خيبة أمل طاغية وهي تحاور الأديب الذي رد على أسئلتها بطريقته الخاصة، فكان الحوار بينهما مثل (حوار الطرشان).
*ولدتُ أيام (الثلجة الكبيرة) التي ماتزال تسد علينا الطرق والمنافذ حتى الآن
*-ولكن يا أستاذ..
*ولدت على يدي الداية بهية التي شدتني عنوة بأصابعها المعروقة إلى دنيا المعاناة.
*-إنني أسألك عن عام ميلادك.
*ولدت وفي فمي ملعقة من خشب، صنفتني مع الذين يعيشون على حافة خط المطر، وعلى حافة خط الفقر.
*-يبدو أنك لم تستوعب سؤالي يا أستاذ.. سؤالي واضح ومحدد.. أريد أن أقدمك للقراء من خلال بطاقة تعريف ذات بنود محددة ومن خلال أسئلة موضوعة.. أرجو أن تجيب عنها بوضوح.
*وماذا يهم إذا كنت من مواليد العقد الثالث أو الرابع من هذا القرن؟
*-سأتجاوز سنة الميلاد وأنتقل إلى السؤال الآخر: من أين أنت؟
*من بلدة بعيدة، وادعة.. غافية على نهر الخابور.. كان ربيعها يورق حتى في تنور جارتنا السمراء، وأصبحت صحون الـ (دش) اليوم تثقل سطوحها الطينية المتعبة.
*-ولكنن على نهر الخابور أكثر من بلدة.. لا بأس.. سأنتقل إلى السؤال التالي: من أنت؟
*أنا قلم مرتهن للهم العام؟
*-ماذا تقول؟
*لفلاح يرتبط مصيره ومصير مواسمه بمزنة المطر.. وطفل يحتضر جوعاً في ساحل العاج، وشابة تنتظر حبيبها الغائب…
*-أعيد السؤال: من أنت.. أريد جواباً واضحاً أرجوك.
*أنا صدى متجدد لأول نغمة أطلقها راع في الزمن القديم، عندما اقتلع قصبة عن شاطئ الغدير ونفخ فيها بعض الفرح والكثير من الشجن.
*-لن ينشر لي رئيس التحرير هذا الحوار.. ومع هذا سأتابع معك.. هل تذهب إلى السينما والمسرح؟.
*لماذا نذهب إليهما وقد قاما بغزونا في عقر دورنا عن طريق هذه القنوات المتزاحمة القادمة من الفضاء والتي توضعت تحت جلودنا وفي غرف نومنا.
كان قدماء اليونانيين قبل خمسة وعشرين قرناً يذهبون إلى المسرح ليتأملوا كيف يتم تجسيد التراجيديا والكوميديا من خلال التشخيص وهم في حالة تحفز ومتابعة على حجارة المدرجات، ونسترخي اليوم في مقاعد التلقي الحيادي، لا نفرق بين التراجيديا والميلو دراما، ولا بين الكوميديا والتهريج.
*-سأنتقل معك إلى الأسئلة السهلة لعلي أفوز بجواب واحد مفيد ويصلح للنشر: هل لك أصدقاء؟
*هم زمرة الود المتقطع، تشغلهم عني وتشغلني عنهم هموم السعي وراء الرغيف الذي ننتظم من أجله في الطابور، والحافلة التي تمر بنا كالضجة الساخرة ونحن نقف على رصيف الانتظار، والأحلام المجهضة في اليقظة والمنام..
*-سأنتقل إلى سؤال أكثر سهولة: ماذا تشرب أثناء الكتابة؟..
*أستبعد المشروبات لأنها لا تقطع العطش ولا تحقق الارتواء.
*-لا بأس.. سأتابع معك: هل تشرب قهوة الصباح في السرير؟
*وما الفرق بين أن أشربها في الفراش أو في أي مكان آخر مادامت من قهوة السوق المغشوشة بالحمّص المحروق..
*-أنت تريد أن تبهرني بتلاعبك بالألفاظ.. لا بأس.. لنتابع الأسئلة: هل تحلم بمواضيع للكتابة أثناء النوم؟
*وهل انتهينا من مواضيع اليقظة لنستوحي أضغاث الأحلام!
*-على الرغم من ثقتي بأن رئيس التحرير لن ينشر هذا الحوار.. سأتابع: هل تعشق المدينة؟
*أمارس فيها نوعاً من (الغربة).. فأنا لا أعرف قصورها الفاخرة، ولا سياراتها الفارهة، ولا نساءها الأميرات، ولا مصارفها الموصدة في وجوه الدراويش..
*-هذا سؤال سهل.. أجبني عنه كما تريد: ماذا تشاهد عندما تقف أمام المرآة؟
*رجلاً كهلاً يمارس رياضة الحلاقة كل يوم ليخفي الشيب الزاحف إلى ذقنه وفوديه.
*-لنعد إلى الأسئلة الصعبة: أية شخصية تاريخية أو أسطورية يمكن أن تشدك إليها!
*لا أحب اللبوس المستعارة من الآخرين.. لا من الواقع ولا من الأسطورة، ولا من التاريخ…
*-هل الكتابة رحلة قد تتوقف إذا تركتها في منتصف الطريق؟
*الكتابة هاجس مؤرق وليست لعبة طارئة.
*-هل هي عالم بلا نهاية؟
*قالوا: في البدء كانت الكلمة.. ولم يقولوا أنها ستكون في النهاية.
*-هل حدث معك شخصياً أن أعاد التاريخ نفسه؟
*إنه يعيد نفسه كل يوم، وإلا ما معنى هذه الرتابة التي تلف أيامنا، وما معنى سعينا الدؤوب بحثاً عن الجديد والمثير والمختلف..
*-ماهو المكان الذي زرته يوماً وترك فيك أثراً؟.
*-مبنى في أثينا القديمة باليونان، كان مكاناً لالتقاء الفلاسفة ورجال الحكمة وأصبح اليوم مقصفاً للسياح الذين يستطيعون أن يدفعوا بالدولار.
*-هل تدخن؟.
*لا أدخن لأحمي البيئة من التلوث.
*-لماذا اللون الأسود رمز الحداد والأناقة معاً..
*لأن الحزن أنيق.. وقديماً قيل: الحزن يليق بالكترا…
*-ما أحلى مافي دمشق..
*أبوابها القديمة المفتوحة دائماً..
*-هل الزواج مقبرة الحب؟.
*لا.. إنه مجرد قهوة باردة.
*-لن ينشر رئيس التحرير هذا الحوار..
*إذن.. اذهبي وحاوري إحدى الراقصات.